| روايه الكارس | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
_ ألوأإآن _ الإداره
عدد المساهمات : 312 تاريخ التسجيل : 13/11/2007 العمر : 31
| موضوع: روايه الكارس 19/11/07, 09:10 am | |
| الكــــــــــــــــارس للكاتبة: حمران النواظر
بتلك الظهيرة الملظية, وتلك الرطوبة المتقطرة على ظهور المشاة, وبتلك المحطة العارية من ظلٍ يقي الناس من ألهبة الشمس الحارقة وقف حبيب.. وهو يشد عينيه من قوة الشمس وذهنه يراقب تلك القطرات السائلة من على جبينه, تارة يمسحها وتارةٌ أخرى يتجاهلها لتنصب على عينه مخترقة شعيرات حاجبيه.
إنها الثانية عشر وهاهي الشمس تتفنن بإرسال حرارتها إلى الجموع المتحركة بالشوارع, بالعمال الوافدين الذين حشروا في حفرة بالشارع وهم يصلحون ما يجب إصلاحه أو أولئك المشاة من السوق إلى المحطة, أو بحبيب الذي انتهى من مهمة يومه الجديد من رحلة البحث عن العمل. قدم سيرته الذاتية لأكثر من محل ولأكثر من فندق, وكلها لا تبشر خيراً ولكن الأمل بالله كبير.. رغم كونها أعمالا غير مشرفة الا ان قابل بها.. فهو لايمتلك الكثير من المؤهلات..
وقف وهو يسند رأسه الى ذلك العمود الساخن متململا ويحس بالانهاك يأكل جسده. يتمنى قطرة ماء يطفئ به لظى العطش ولكنه لن يتحرك من هنا.. تحرك بما فيه الكفاية الى ان فوت الباص مرتين.. وطالت فترة انتظاره بسبب هذا التحرك.. لا.. سيظل قابعا في هذه البقعة وسيشرب بعد ان يرجع البيت..
لكن.. هاهو نداء رب العالمين للخلق بالتوقف عن الحراك.. والاستماع لأمر الذكر.. الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله اكبر.. وهاهي فرصة الرجوع للمنزل تهرب عن حبيب لأن عليه الحراك والبحث عن مسجد للصلاة.. لم تتجاوز رجليه خطوتين الا والباص يمر امام عينيه وكيف ان حدقتي حبيب التزقتا بذلك الباص وكأنها منال الطالب.. لكنه اشاح ببصره بحسرة وذهب الى دربٍ أكرم من الأول, سيقدر رب العالمين هذه التضحية منه, وسيجد له الوسيلة التي سترجعه الى المنزل.
ولكن.. لم هو متشوقا للذهاب للمنزل؟ ألم ينال القدر الكافي من شتائم أبيه؟ أم إن لقب الفاشل يعجبه كثيرا بحيث انه متشوق لسماعه بذلك الصوت؟..
تمشى بغير حواس وبغير احساس بالإتجاه.. يبحث عن مسجد ولكن لظى العطش والتعب ابعده عن الصواب فبقي يدخل في ممرات وازقة لم تألفها عينيه ولا لدقيقة..
حتى تلك اللحظة عندما وصل الى ذلك المسجد القديم بعض الشيء لكنه لم يعبأ ودخله.. نزع حذاءه ولصونه عن السرقة وضعه في سدةٍ لا تقرب لها عين وبالأخص يد.
وقف منتظرا دوره للصنبور مراقبا تدفق الماء, احسه كقصيدة عشق وكما يذكر فيها عندما تتدفق عاطفة الشاعر بها.. زاد عطشه في تلك اللحظة ولكن انتظاره كان بسيطا بالمقارنة مع صبره السابق للباص.. وما ان كشف الصنبور عن الناس.. بهدوء اقبل عليه وهو يفتحه.. لتتدفق تلك العاطفة الباردة على يده ويغلق عينيه شكرا وحمدا لنعم الله التي يغفل الناس عنها بانتظار ملذات الدنيا الكاذبة.
روى عطشه ومن بعده توضأ ووجه نفسه للقبله ورفع يديه بدعاء الوضوء ومن بعدها دخل ذلك المسجد, كان قديما لكن شيئا من الألفة يحيطه.. شيئا من التقريب ومن التحبيب به, يمكن لانه يجمع الناس في أوقات تتوقف فيها أعمال الدنيا للقيام بأعمال الآخرة.
وبإقامة إمام الصلاة, بدأت الملائكة تعد انفسها لنقش ما ينقش من خير عمل هؤلاء المصلين, الا حبيب الذي يطوف به شعور غريب يدغدغ قلبه ويدفع بالدمع في عينيه لدرجه انه صعب عليه الصلاة الا بعد ان استغفر ربه لمدة من الزمن.. هدأت اناته المتصاعدة في قلبه.. كبر وبدأت صلاته..
على الرغم من الصفات السيئة التي تشربها دماغه طول تلك السنوات الا انه لم ينسى اهمية التعمق في الصلاة.. وكلام امه عندما كان صغيرا بدروس الصلاة ان الصلاة ليشت صلاة فقط. بل هي لحظات يجد فيها الانسان سبيلا للوصول, وللوقوف امام عظمة الله وهو مخفض البصر لعزة الله لطلب ما يستحيل الحصول عليه في هذا الزمن او عصر هؤلاء القساة الذين لا يرحمون من كانت غشاشة المراهقة تعصب عينيه وتمنعه من رؤية ماهو لصالحه.. لا يعرف لما انهاالت تلك الدموع من عينيه عندما بدأ الصلاة.. حاول ان يداريها وهو يعرف انها قد تكسر صلاته الا انه لم يجد سبيلا لصدها او منعها.. فهي كانت هائجة وثائرة واكتفى فقط بمسحها والتوقف عن الصلاة لمدة.. وجلس متهالكا مكانه وهو يصب من فيض عاطفته المهزوزة والمجروحة وهو يضم رأسه لركبتيه..
لم يرفع رأسه الا بعد ان احس ان المكان كشفت انواره والجموع غادرت عائدة الى واجبات الدنيا.. مسح عينيه المتقدتان وهو يحاول رفع ثقل جسده النحيل ليقف ويصلي.. وما ان وقف حتى اتاه شيخ نجيب وابتسم في وجهه.. ابتسامةً أعادت تلك المشاعر الفياضة الى قلب حبيب وهو يكابد سيلان الدمع بابتسامة.
الشيخ النجيب وهو يمسك بكتفه: لم ارك تصلي مع المصلين.. ما بالك يا ولدي؟؟ اشي تشكي منه ؟ حبيب بصوته الحزين: لا شي يا عمي وانما... لم استطع.. ... ضاعت الكلمات منه وهو يمسح على صدره.. وبالاخص منطقة القلب.. ولاحظ الشيخ الجليل مدى حزن الشاب ومدى ضياعه.. فقرب نفسه له اكثر ودقق في تلك العينين الجميلتين اللتين زينتا بلمعة الدمع.. الشيخ الجليل: اكنت تبكي ايها الشاب؟ سقطت دمعة من عين حبيب وهو ينفي: لا يا شيخ.. لم اكن ابكي.. ابتسم الشيخ الجليل وهو يربت على كتفه: تعال معي يا ولدي.. أريد ان اريك شيئا هز حبيب رأسه ايجابا ولحق الشيخ الذي كان من الكهولة حيث انه يضغط على رجلا والاخرى تسيره.. نظر اليه حبيب بكل تقدير.. مع المعرفة السطحية الا ان احساسه بهذا الشيخ كان كبيرا ويلفه التقدير..
وقف الشيخ وهو ينظر بحيرة الى تلك الكتب المصفوفة على احد جانبي المسجد.. يحاول ان يجد ما تصبو اليه عينيه.. وعندما فعل.. التفت الى الشاب بعينين مشعتين: لقد وجدت شيئا سينال اعجابك.. حبيب وابتسامته الخفيفة لونت وجهه وهو يحاول ان يعرف ماالذي يعنيه الشيخ.. وانحنى الشيخ ليلتقط ذلك الكتاب الذي كانت صفحة غلافه فارغة وعندما اخذه اصدر تأوهات لألم ما يشكو منه. حبيب باهتمام بالغ: سلامتك.. أتشكو من شي؟ ابتسم الشيخ الجليل: اشكو كبر السن يا ولدي.. فهل لك دواء له ابتسم حبيب في وجه ذلك الشيخ, وقدم الشيخ الكتاب ليد حبيب العاقد حاجبيه باستغراب الشيخ:.. امستغرب؟؟ حسنا.. خذ هذا الكتاب مني .. وافتحه بنفسك.. واقرأ ما استطعت قرائته.. علك تجد ما يسكن أنينك ويهدئ نفسك الهائجة.. فأنا اذكر نفسي بعمرك.. كنت محتاجا لشي كهذا الكتاب.. اخذ حبيب الكتاب وهو ينظر بامتنان الى وجه الشيخ الجليل .. اشاح بوجهه وتوجه ناحية الباب وغادر المسجد..وقبيل مغادرته التفت الى حبيب بإبتسامة: ... الشباب بهذه المرحلة.. خطيرة عقولهم.. تريد الوصول الى شيء ولكنها تحجب ما تراه بعين القلب وتبقي عين البصيرة.. اغلق الاخيرة وافتح الأولى.. وستجد ما تريده..
بذهول نظر الى الشيخ وهو يغادر.. لم يفهم شيئا مما قاله.. عين البصيرة وعين القلب.. ما معنى هذه الالغاز.. نظر امامه ووجد ساعة معلقة .. انها الثانية والنصف.. يا ويلي ان الوقت يمر علي وانا لا ادركه.. اسرع ناحية مكانه السابق.. اخذ نفسا عميقا. ووجه قلبه الى رب العالمين.. وبهدوء الملائكة.. كبر..وأبتدأت صلاته.. بعد انتهاء الصلاة. .احتار. ايهب للمغادرة من المسجد ام يرتاح قليلا .. -وهويلتفت الى الكتاب بهدوء- ليقرأ ويكتشف شيئا من غياهب هذا الكتاب الغامض من نوعه.. مد يدينه نحو وهو يرتقب-متفائلا- ما قد يقرأه او يجده.. فتح اولى الصفحات.. فوجدها خالية الا من كلمة.. الحمد لله رب العالمين.. تصفح للمزيد.. فلم يجد شيئا.. تابع التصفح.. وكانت النتيجة عينها.. لا شيء.. غرق في الدهشة والغرابة.. ما هذا الكتاب الذي تفتقر صفحاته للكلمات.. التفت الى الطريق الذي سار فيه الشيخ وهو يخرج.. وخاطب نفسه: ما الذي عناه الشيخ بقوله عن هذا الكتاب الخالي؟؟
وصدر الصوت الذي قطع حبل افكاره.. كان هاتفه النقال.. رفعه ليجد "أب حبيب" يتصل به.. انه والده.. لابد وانه يتصل ليتأكد من حصولي على العمل او لا.. وستجدد الخيبة .. وسيتجدد النزاع وسيضطر ان يسمع خطبة ابيه التي لا يمل منها.. اكان عليك ان تضيع عمرك في ما لا نفع به.. كنت شيئا وتحولت الى لا شيء.. ما اعذبها كلمات صح؟؟ صدقوا او لا تصدقوا.. من بعد المدرسة التي غادرها حبيب اضطرته الحياة ان يستمع لها بشكل يومي.. حبيب: اهلا بابا أب حبيب بزمجره: اين انت؟؟ مازلت في بحثك عن العمل ايها الفالح.. حبيب وهو يتنهد: لا بابا انا في المسجد.. توقفت لكي اصلي وها انا عائد للمنزل أب حبيب وهو يرفع حاجبا ويهدئ من صوته: لا تعد للمنزل فورا.. اذهب الى اب هشام يريدك في شيئ.. ضاق صدر حبيب: وما الذي يريده مني؟ عادت زمجرة اب حبيب: يريد لك الخير ايها المغرور.. وجد لك عملا يناسبك.. بالطبع بعد توصيتي التي لا تستحقها.. صمت حبيب قليلا.. وعادت الروح الثائرة فيه: اشكرك يا ابي.. لكن.. ما لا استحقة لن اخذه اب حبيب: ماذا؟؟ اعد ما قلت حبيب بثبات: اسف.. ولكني لن اقبل بهذا العمل.. سأجد عملا بنفسي.. اشكر توصيتك التي لابد وكانت رائعة ليقبل ابو هشام توظيفي.. اب حبيب بصياحه العالي كالاسد الهائج: انك لا تستحق شيئا .. انت نكرة يا حبيب.. ستظل نكرة حتى تنقضي ايامك بهذه الدنيا.. يوم ملعون الذي اتت امك بك الى هذه الدنيا.. عاق وطويل اللسان.. لم تتعلم شيئا الا الثرثرة.. انهى الاب تلك المحادثة المؤلمة التي من شدة وقعها ظل الهاتف بجانب اذن حبيب وهو يستمع لذلك الصوت يتأجج صداه في السكون.. احتار بين نفسه.. ايبكي؟؟ ام يسكت ويقبل كلام والده كما قبل بما هو اشد منه.. انزل الهاتف وهو يكابد الدمع في عينيه.. ادخله في كيس بنطلونه.. وهب بالوقوف.. مغادرا المسجد.. فحتى بيت الله لم يسلم من قذفك يا ابي.. سامحك الله على ما تفعله بي.. وسامحني على ما فعلته بك لتصبح هكذا..
قبيل مغادرته من المسجد احس حبيب انه ترك شيئا .. تحسس مخابئ بنطلونه وتأكد من وجود المحفظة والهاتف.. التفتت الى مكان صلاته فوجد الكتاب الذي اعطاه اياه الشيخ الجليل.. ولم يعرف ان كان عليه اخذه ام تركه.. لا..انه من ممتلكات ذلك المسجد لا يمكنني ان آخذه.. ولكنه احس بالتملك ناحيته وكانه مهدى اليه على كونه خاليا من الكتابة.. هز رأسه .. ان كانت هناك صفة سيئة لا يتحلى بها فهي السرقة.. لن يسرق الكتاب.. وإنما له عودة الى هذا المسجد والى هذا الكتاب الغامض.. وعله يجد الشيخ الجليل ليخبره عن فراغ هذا الكتاب..
غادر المسجد وهو لا يعرف اين يحط بنفسه وبنفسيته الحزينة, أيعود للمنزل ويستقبل زلزلة أبيه.. أم يبقى في الشارع.. أوووف.. أكان قراره المستعجل برفض العمل مع ابو هشام صائبا؟ وبطريقه الى محطة الكارس الجميلة من نوعها استوقفته صيحات الهاتف.. لابد وانها امه.. تضع المرهم على الجروح التي يسببها والده كالعادة.. لكن لا.. انه مجيد.. صديق الدراسة الطيب, الذي ابتعد عنه حبيب بابتعاده عن الدراسة واهتمامه بالامور التافهة التي أوصلته لما هو عليه..
حبيب بنبرة هادئة مشوبة بالحزن: اهلا اهلا مجيد.. مجيد بصوته الناعس: اهــلا حبيب.. كيف الحال؟؟ حبيب وهو يشد عينيه من اشعة الشمس الساطعة: نحمد الله وكيف حالك انت.. مجيد: نـــــــــــائم.. الا ان ابي ايقظني لكي اذهب لبرنامج البعثات.. أتـأتي معي؟؟ حبيب يبتسم بألم: وما الذي افعله هناك.. مجيد: لتساندني يا رجل.. وما نفع كونك صديقي المفضل؟؟ حبيب: حسنا.. ان كنت تريدني فانا في المنامة.. مجيد يرفع رأسه بعجب: وما الذي تفعله هناك؟؟ حبيب: رحلة البحث عن العمل مجيد يتهالك على السرير: مجددا؟؟ حبيب يبتسم: نعم مجددا.. هذا هو ثمن اللعب والتسالي بالثانوية!! مجيد بنبرة غريبة: الحمد لله انك عرفت او بدأت تعرف قيمة ما ارتكتبه بحق نفسك حبيب بغرابة: ماذا تقصد؟؟ مجيد: لا شي.. اين انت سآتي لآخذك.. اعطاه تفاصيل الموقع حتى لا يضيع واغلق الهاتف عنه ورنت جمله مجيد في باله طوال الوقت.. حتى عندما كان يعطيه العنوان.. "ما ارتكبته بحق نفسك" وما الذي ارتكبه بحق نفسه؟ وبعد تفكير.. وما الذي لم يرتكبه بحق نفسه؟ ما الذي لم يتوانى عنه كي يؤذي نفسه؟ كل شي.. جرب كل شي .. كان كالمجنون الذي يمر في اصعب حالات النفور العصبي.. ينتقل من هذا الى هذاك.. ومن شيء الى آخر.. حتى اضاع نفسه وبقي محاصرا بين فواصل الجمل.. لا يعرف اين طريق الخروج..
أقعد نفسه على احد الأرصفة منتظرا قدوم مجيد.. وأرحل نفسه مستعينا بخطوط الماضي الذهنية.. نحو الذكريات.. انها ليست بالقديمة.. وليست بالمغطاة بالغبار وتحتاج من يهف عليها كي تظهر معالمها.. انها حديثة.. جديدة.. اذا ذكرت بهذا الوقت فسوف يبدو موقعها الزماني اقرب من حبل الوريد.. لكن.. منذ تلك الذكريات الى هذه اللحظة امضى حبيب رحلة طويلة.. نعم.. انها رحلة طويلة.. آآآه.. بالفعل.. طويلة..
لم يستطع ان يتذكر منها الا ذلك اليوم.. اليوم المشئوم.. سمع عنه قبلا بانه اكثر الايام حنقا على البشر.. وكيف ان عناقيد غضبه تكمن لهم من حيث لا يعلمون.. ======================== ظهيرة عادية.. خرج فيها حبيب الى ما يخرج اليه ككل يوم.. لم يعرف ان هذا اليوم سيبقى محفورا في جدران الزمن الذي لا ينسى ولا يمحي شيئا.. وان عرف.. لما خرج ابدا كانت ظهيرة هادئة.. والناس في بيوتهم مضطجعين.. وهو يتجه ناحية تلك الجلسة التي يتسامر فيها مع اصحابه.. في تلك الآونة.. كان لا يعلم شيئا عن حقيبة المدرسة.. ولا يفقه شيئا من مقرر الرياضيات.. ولا يذكر شكل استاذ الفيزياء.. وقلما يهمه مدرب النادي الذي يشتكيه لوالده كل يومي احد واثنين.. ايام التدريب.. دخل الى تلك الجلسة وهو يرتب من شعره الطويل المغرق بالمثبت اللماع.. وكيف تتدلى تلك السيجارة من فمه كالموهوب بها.. سلم على الكل وذهب الى زاويته المعتادة.. احد افراد تلك الجماعة المصعلطة: ايــه حبيب.. اتريد شرابا.. حبيب من غير ان يلتفت اليه: احضر لي المعتاد.. الصعلوك بضحكته المهزوزة: لا يوجد المعتاد.. لدينا الجديد .. حبيب: اعطني جديدك وكف عن الثرثرة.. ضحك الآخرون وحتى الصعلوك.. وغادر مسرعا ليحضر الشراب لحبيب السابق.. تذكر حبيب الحالي كيف كانت بدايته بذلك الشراب.. وتذكر كيف ان ريقه التهب حريقا عندما ذاقه.. كانت أسوا اضطرابات في المعدة قد مر بها.. ولكن.. بعد شربات متعددة.. اعتادت معدته على طعمها.. وبدأت ترحب بها وتطلبها.. غير عابئة بما قد يخلفه عليها هذا السم.. بعد ان انتشى بذلك الشراب بدأت موجة من الراحة تعم جسده.. وكأن ذهنه لا يجد شيئا يثقله من أفكاراً أو حيرة.. فبدت الحياة ولا أجمل ولا أحلى.. تحرك احد الشباب مغادرا ذلك التجمع الكريه.. فناداه حبيب بذهن ضائع:.. إلى اين.. بدى الضيق متجمع في سماء وجه ذلك الشاب: ذاهب الى البيت حبيب وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا: الى اين انت ذاهب؟؟ ابق هنا.. لا تغادر الشاب وهو ينظر باحراج وحسرة الى حبيب.. يتذكره قبلا.. كان مثالا للالتزام.. وما ان صاحب هذه الجماعة اصبح مقيتا.. : لا .. يجب ان اغادر.. الى اللقاء.. الجماعة: مع السلامة.. احد افرادها: لا تنسى ليلة الغد.. لبس الشاب نعله بسرعة وتوتر.. هاربا منهم.. وكان بالمكان وباءا يحاول ان يتفاداه قبل ان يفتك به.. ظلت عيون حبيب ترقب هذا الشاب وكيف غادر من المكان.. ولاول مرة منذ ثلاثة اعوام من بدء مصاحبته لهذه الرفقة السيئة أحس ان عليه هو الآخر ان يغادر.. ولكن بأي حالة.. الخمرة قد اشتعلت فيه وهاهو يبدأ مرحلة جديدة من الهذيان.. ==================== قطع عليه زمور سيارة مجيد القادمة نحوه سيل ذكريات اليوم الشنيع الذي كان في بداياته.. ونهض من مكانه وهو يبتسم له.. توقفت سيارة والد مجيد وتحرك حبيب ليدخل فيها.. وعندما دخل.. احس بنعيمها فالمكيف البارد كان يعمل وقضى بلحظات على لظى الحر الذي اعتراه بجلوسه في تلك المحطة العارية.. حبيب: الســــــــلام عليكم مجيد وهو يبتسم لرؤية حبيب:.. وعليـكم السلام.. هاه يا رجل .. ماذا حدث لك؟؟ حبيب وهو يمسح جبينه: هل هذا سؤال تطرحه.. اخرج رأسك لدقائق فهي كافية لكي تكوي فروتك.. مجيد: ههههههههههههههههههه أعانك الله يا صاحبي.. ان رحلتك هذه اليومية لصعبة حبيب وهو يزردئ ريقه: لا بأس .. لقد اعتدها.. اجعل الامر سرا بيننا.. (يغمز لرفيقه) انها فرصة لكي اخرج من المنزل.. فكما تعرف انا حبيس البيت منذ خروجي من المدرسة. مجيد الذي كتم غيضه المتعلق بهذا الامر.. خروج حبيب من المدرسة كان من أقوى الصدمات وقعا عليه.. تذكر كيف كانا في الإبتدائية.. وكيف كانت منافسة حبيب صعبة نظرا لكونه المتفوق الأول.. عينٌ اصابته ولم تصلي على اشرف المرسلين..
تحركت السيارة وعم الصمت فيها.. ظل حبيب يلتفت كل حين الى مجيد.. ينتظر حركه منه الى مسجلة السيارة.. لابد من سماع شي في ظل طنين الصمت.. ولكن مجيد لم يعر نظرات حبيب اي اهتمام.. فهدأ الاخير وظل يستمع لصوت انفاسهما في ذلك السكون.. مجيد وهو يقطع الصمت:.. كيف حال الأهل؟ حبيب وهو يتذكر صراخ ابيه منذ قليل:. الحمد لله.. لم يكونوا احسن يوماً ابتسم مجيد: الحمد لله.. جعلهم على هذا العهد ما دامو ابدا حبيب: أجمعين.. وهنا تحرك مجيد وضغط على احد الاسطوانات.. فتهللت نواحي المركبة المتحركة بصوت القرآن المهذب.. وحبيب الذي صدم اولا من سماعه القرآن وكانه شيء غريب على مسامعه .. لم تكن الا لحظات حتى انسابت في اذنيه ألحان عذبة رقراقة.. تستل منه سيف حركته وتبقيه جامدا على ذلك المقعد.. وعادت تلك المشاعر الفياضة فيه.. راقب السيارات التي تمر من جانبه وأمامه.. وراقب عجلاتها.. كيف تدور وتتشكل بأغطيتها ألاف الاشكال بالدوران.. وهاجت أمواج بحر الذكريات مجددا عقله..لتنقله مرة اخرى الى ذلك اليوم المشئوم | |
|
| |
_ ألوأإآن _ الإداره
عدد المساهمات : 312 تاريخ التسجيل : 13/11/2007 العمر : 31
| موضوع: رد: روايه الكارس 19/11/07, 09:15 am | |
| لم تكن الا لحظات من السكون حتى انقضت.. بانقضاض ((رائد)) عليهم.. كان يسمى بالدوامة..تلك اللعبة الحرفية التي ترمى على الارض فتدور بعنف مكانها.. كان مثلها.. عندما يقف مكانه فهو لا يكل عن الحراك والتلفت برأسه الصغير يمنةً ويسرة رائد وهو يلهث من شدة التعب:.. شباب.. لن تصدقو ماذا.. يحدث في.. الباحة الخلفية لمسجد الحي!! حبيب وهو يفتح عينيه بعنف: ماذا يحدث؟؟ رائد وهو يلهت بخوف: انه.. انه ذلك العقيم.. هيثم .. قام اخر من مكانه: ما باله ذلك الحقير؟ رائد وهو يلهث ويتحرك مكانه: عليكم بالاسراع.. انها الحرب.. امسكه حبيب من قميصه وشده الى ناحيته: ما بالك يا هذا؟.. تكلم قل شيئا.. رائد وهو يلهث ولسانه يرتجف بفمه:.. انهم .. انهم يحطمون سيارة والدي.. كما حطمنا سيارتهم قبلا.. احد الشباب: اولئك السفلة حبيب بصوت مزمجر: اسكت يا هذا (التفت الى رائد) أين هم الآن.. رائد وهو يتحرك بعنف مكانه: في باحة المسجد.. مسجد الحي.. والله اني لن اتركه حيا.. سأقتله.. سأحطم شكله كما حطم .. سيارة والدي... انها الحرب يا رجال.. الحرب.. تعالت اصواتهم في تلك الخيمة وهم يستعدون للمغادرة من اجل المضي في معركة جديدة.. ولكن صوت حبيب المنادي استوقفهم.. حبيب: الى اين تظنون انكم ذاهبون.. احد الصعالكة: اننا ذاهبون للثأر من اولئك الجبناء.. انهم بالفعل لجبناء يحطمون السيارة ونحن غائبون.. حبيب الذي كان الدم يغلي فيه من غباء هذه الجماعة: ما بالكم.. اتريدون الذهاب والقتال في تلك الساحة وانتم غير عابئون بان احدهم لربما قد شكاهم الى الشرطة وكلها دقائق وتصل فرقة من النجدة وان كنا هناك لأمسكتنا وامسكتهم معنا وزججنا كلنا كالدجاج بزنزانة القسم.. لا.. لن نتحرك من مكاننا.. رائد وهو يحتج: دجاجة في زنزانة وانا ظافر بأحدهم افضل من جلوسي هنا كالمرأة التي تنتظر عودة رجلها. حبيب يمسك رائد من ياقته: يا ايها المعتوه.. تبا لدماغك الصغير.. اسمعني جيدا.. فانا لم انهي كلامي.. رائد الذي فك يدي حبيب عنه وهو على رأيه: انا ذاهب وأيا منكم ما زالت رجولته تنضخ به سيأتي معي .. اتضح ان رائد كان وحيدا بهذا الرأي فتقدم له احد الشباب: اسمع من حبيب فهو ذكي.. ويعرف ماذا يقول.. رائد وهو يشتغل غضبا: الا تسمعني يا هذا.. انه يحطم سيارة والدي.. والدي الذي ان عرف من تسبب في تحطيمها سيدق عنقي الليلة.. حبيب بهدوء وهو يحس بدوران في رأسه: سواء ذهبت لتدافع عن سيارة والدك ام بقيت هنا سيدق عنقك.. إسمعني يا صاح.. انا اعرف ماذا اقول.. رائد وهو يرتعش مكانه غضبا: لا اريد ان اسمع شيئا.. ضقت ذرعا باولئك السفلة.. حبيب وهو يهدئه ويمسكه من عنقه: وانا ايضا يا رائد ضقت ذرعا بهم.. وتحطيم سيارة والدك هي القشة التي قصمت ظهر البعير.. ولكن.. دعنا نفكر بذكاء.. وبتخطيط.. هم لم يحطموا السيارة الا بغية ان نذهب لهم ونتشاجر معهم ويدمي منا ما يدمي.. لكن لا.. لن نروي تعطشهم هذا.. دعنا.. دعنا ندعك الحب بهدوء في الرحا.. ولتخيم استار الليل.. عندها.. احد الشباب: عندها ماذا يا حبيب.. حبيب وهو يبتسم بمكر: عندها.. تحلى المبارزة... كعراك القطط.. ومن له الغلبة.. كان سيد الحي.. ---------------- مجيد وهو يهز كتف حبيب بهدوء:... هي... هي انتي يا أميرة الأميرات.. انتبه اليه حبيب..: همم. ماذا تقول؟؟ من هي الاميرة؟؟ مجيد وهو يضحك: انت يا هذا. ما بالك وقد سرحت بفكرك بعيدا.. حبيب وهو يداري حيائه من مجيد: لا.. لم اكن سرحانا.. وانما.. مفكرا.. مجيد: اذا دعك من التفكير.. حبيب بغباء: لماذا؟ مجيد يشير برأسه: لاننا وصلنا يا غبي.. ههههههههههههههههه نظر حبيب من نافذه جنبه من السيارة.. ورآى تلك المدرسة.. خرج من الباب ووصل اليه مجيد.. وهما يستعدان لدخول المدرسة.. أنت معدة حبيب أنين الجوع.. فكان صوتها مسموعا حتى اذن مجيد الذي وقف بدهشة وحبيب يحمر خجلا من نفسه.. فبادره بصوت حنون: أجائع يا حبيب؟ حبيب وهو يبتسم خجلا: لا لا.. لا عليك من معدتي.. انها غنائية بعض الشيء.. ههههههه تحب ان تكشف عن مواهبها للناس.. لا عليك منها امسك مجيد كتف حبيب ليستوقفه: .. دعك من هذه الأعذار ولا تنسى من أنا.. حبيب وهو ينظر الى وجه مجيد.. ويحاول ان يتذكره.. بالفعل.. كلام وجيه.. لربما يحلى مفهومه اذا قلب لسؤال.. من أنت يا مجيد؟ لم تعد ذلك الصبي المدلل الذي دائما يضرب ويسكت ولا يشتكي احدا.. حتى ان هببت لقتال من يقاتلوه يستوقفني ويبعدني عنهم.. كنت انت كما انت يا مجيد.. حتى تلك اللحظة التي غادرت فيها عني مبتعدا.. وكأنني مرض معدي خطير.. ينتقل بمجرد الاقتراب مني..
دخلا الى المدرسة الكبيرة وتوجهها بالتعليمات الملصقة على اعمدة المظلات الى الصالة الرياضية.. وعندما وقفا عند الباب شاهدا العديد من الناس الذين يتهافتون على الاوراق ليملؤها قرب حبيب نفسه الى مجيد وهمس بأذنه: أكلهم مقدمين على البعثات مجيد وهو يلتفت بإبتسامة: ماذا تظن ؟؟ هؤلاء جزء فقط من برنامج البعثات.. هناك اخرون الذين قد قدموا في الوزارات والبرامج الاخرى.. الكل يطلب الأفضل يا حبيب.. ليس كل الناس تقبل بالزهيد.. التفت حبيب الى مجيد وهو يحس بان كلامه مبطن.. نظر الى عيني مجيد اللتين ارتسم الأسى عليهما.. وضع يده على كتف حبيب: آسف.. لم اكن اقصد.. حبيب وهو يهز رأسه: لا عليك.. لم أعتبر لها.. في قرارة مجيد تمنى لو ان حبيب إعتبر لها.. لكي يمقت حاله الذي اوصل نفسه اليه بعناد وعنجهية وغرور المراهقة.. اشاح بعينيه عنه.. لم يعرف ان حبيبا جرح بهذه الكلمة ولكن احتراما له تظاهر بالنسيان.. بقيت عيناهما تبحثان عن المقاعد الشاغرة وعندما عثر حبييب على مقعد لكز ذراع مجيد.. مجيد: ماذا؟ حبيب: هناك كرسي خالٍ مجيد: حسنا.. اذهب هناك وسآتي إليك.. حبيب: حسناً ذهب حبيب وهو يمسح راحته على فخذ بنطلونه.. هب بالجلوس ولكن استوقفته اصوات معدته العالية بعض الشيئ.. امسك بطنه خجلا ونظراته تثير الضحك.. تلفت يمين وشمال لربما لم يسمعه احدا.. فارتاح عندما وجد الناس مشغولة بما اتت من اجله.. وجلس على الكرسي براحة.. حتى أتت تلك الضحكة الناعمة لتدغدغ مسامعه.. واسرع بالالتفاف لالتقاط صاحبتها.. فوجدها بنتا.. بنتا لو جمعت الإناث كلها لتلد مثلها خابت وردت على أعقابها تجر اذيال الهزيمة.. ظل مبحلقا فيها لفترة.. اما هي فانزلت عينيها وشغلت نفسها بملء الاستمارة.. استدار حبيب بناظريه الى الأمام.. يحاول ان يفكر .. اسبب ضحكها هو صوت بطنه ام ان لها امورها التي تضحكها؟ ولكن حواسه كانت مشدوهة ومسلوبة بفعل تلك الضحكة الرقيقة.. ما أعذبها.. تثلج صدر من يسمعها.. وها هو صدره مثلج منها..
تذكر نفسه قبلا.. وكيف كان دؤوبا على استقطاب انتباه الفتيات اللواتي لم يردنه خائبا.. كانت ابتسامته كافية لكي ترعش قلب اي بنت.. فكان يمتلك من الوسامة مقدارا كافياً ليسمى بالوسيم.. او بعبارة اكثر سوقية.. (قطعة).. إبتسم لنفسه فخورا بتلك التسمية مع انها تبدو ركيكة بهذه اللحظة.. وها هو مجيد يأتي ناحيته وهو يحمل أوراقا متعددة الألوان جلس أمامه وهو يقدم اوراقا الى حبيب: أمسك هذه.. حبيب: حسنا.. نظر اليه وهو يخرج قلمه ويكتب.. ملأ الاستمارة بسرعة حقا ولكنه احس اليه كانه معد لهذه الاستمارة منذ فترة.. الابتسامة لم تفارق وجه مجيد مذ دخلو هنا وحتى خروجهم.. كان فرحا.. لا بل مرتاحا.. وبانت الراحة على أساريره.. فارتاح حبيب بالمثل.. قلبه الكبير الذي لطالما لقب بالحجر يفرح لفرح احبائه.. ولا يعلم لم لقب بهذا اللقب؛ فهو كان دائم الهبة والاستعداد لمعاونة احدهم.. ودائم الفرح لفرحهم ولو كان هذا الشيء ضد مصلحتهم..
مجيد وهو يشغل السيارة: حسنا انا جائع ماذا عنك انت؟ حبيب وهو يبتسم كالطفل: انا عصافير بطني تزقزق .. ضحك مجيد على اعتراف حبيب: لا حاجة لك باخباري.. لقد سمعتها قبل قليل.. هيا بنا نشبع بطوننا.. حبيب: لكن يا مجي استوقفه: لا داعي.. لدي ما يكفي.. حبيب وهو يخفض بصره: شـكرا يا مجيد نظر اليه بملل:... منذ متى والشكر بيننا يا هذا؟ تبا لك.. ضحك حبيب.. فنادرا ما يسمع الشتم من فم مجيد.. انه انسان صالح.. نعم انا استطيع ان اقف يوما واجيب احدهم اذا سألني ان مر بحياتي رجل صالح.. سأقول نعم.. انه مجيد.. فهو لم يفوت فرضا.. وحسبما يعرف فهو اعتمر مرتين.. ويخشى ربه في السر والعلانية.. وجاهد خير جهاد في دراسته.. وها هو بمشيئة الله على وشك ان يجني ثمار الجهد..
آآآآآه.. ان كان لمجيد محفز على كل تلك الجهود.. فلم يكن أحداً غريبا.. كان هو ففي مرحلة الابتدائية وحتى بدايات الاعدادية.. كان هو الذي ينال شهادات التقدير ويكتفي مجيد بالشريط الذي يثبت على قميصه دلاله على الامتياز.. كان ينافسه في الصف.. ويبقى في نفس الوقت مشجعا وصديقا طيبا.. حتى ذلك اليوم.. الذي غادر فيه عني.. مبتعدا.. تاركا المسافات الكريهة تزداد بيننا.. كنت قد كرهته في تلك الايام.. وعندما يأتي الي.. لا اظهر له.. ارده من حيث ما اتى.. حتى ذلك اليوم... اليوم المشهود له بتاريخ حياتي الحديث..
كان قد رجع المنزل لكي يغير ملابسه ويرتدي ما يقيه من برد الليل.. ويحمل معه اسلحته الصغيرة المكونة من سكين مشحوذه وسلسلة من الحلقات الحديدية ومضرب خشبي.. ارتدى حذائه الرياضي وكان على اهب الخروج.. وعندما فتح الباب وجده امامه مدهوشا لوهله.. حتى انقلبت دهشته الى ابتسامة كبيرة وواسعة.. مجيد: اهلا حبيب اجابه بنفسٍ كارهة: اهــلا.. ماذا اتى بك الى هنا؟ تجاهل مجيد قله تهذيب حبيب معه:.. كنت مارا بالحارة وترائى لي لو..أزورك قليلا واسال عن اخبارك.. او حتى تنضم الي حبيب وهو يضع يده على خصره: لمــاذا؟ فرك الاخر راحته: لا لشي.. وانما.. للسرح في الطرقات قليللا بالسيارة ثم العشاء.. لا اعرف الديك شيئا معينا في بالك.. حبيب وهو يرف بعينيه بهدوء وكأن النعاس يداهم عينيه: نعم.. ولكنها لم تشملك.. انحرج هذه المرة مجيد وبان الشيء على وجهه.. ولكنه اكتفى بالابتسام:.. انها غلطتي.. اعذرني.. ليس من التهذيب ان اتي اليك من غير سابق انذار مطالبا اياك الخروج معي.. حسنا.. ليله سعيدة.. الى اللقاء..
بعد رحيل مجيد سار بجسد حبيب شعور لا يوصف من الكراهية تجاه نفسه.. اكان عليه ان يحدثه بهذه الطريقة.. كم هو لمعتوه.. سافل لا بل حقير.. ولكي يصلح غلطته لحق بمجيد..
تقدم اليه وهو يصيح باسمه: مجيـــد.. مجيــد انتظر بسماع صوت حبيب المنادي له انهض نفسه عن المقعد وتوجه اليه وهو يهز رأسه: نعم؟؟ وقف حبيب امام رفيق الطفولة.. الذي لم يعد طفلا.. لا بل امسى رجلا .. ورجلا كبيرا.. : ربما.. في وقت آخر.. ما رأيك؟؟ مجيد وهو يبتسم بخفة: حسنا.. شرط ان تتصل بي.. هاهي عقدة الذنب تنوح فيه: لا عليك يا رجل.. تعالى باي وقت هز رأسه الاخر : لا لا.. أنا على حق.. لابد لي من الاتصال بك.. (ابتسم اليه) القاك على خير ان شاء الله.. و... كن حذرا..
رفع حبيب رأسه وهو ينظر بشزر الى مجيد ويسترجع ما قاله.. وكأنه احس انه مقدم على شي كبير.. لا بل شيء لربما يتسم بالخطورة نوعا ما.. بعد ان غادرت سيارة مجيد نظر حبيب الى نفسه.. فلم يجد شيئا يشابه رجولة مجيد.. كان يرتدي الملابس الرياضية اللامعة.. وكانه رجل عصابات كعصابات الزنوج باحد الافلام الاميركية.. والقرط يتدلى من اذنه واخر عند حاجبه الأيسر.. والسكين التي في جيبه.. رفع رأسه وكأنه يرى مجيد امامه.. كان النقيض له.. كانت ملابسه عادية ومريحة.. الوانها رجولية ولا تتسم بأي عنف او بهرجة.. وهاهو الشعور الذي احس به اليوم عند مغادرة ذلك الشاب للتجمع يعود اليه مجددا.. ولكن بقوة.. رغم انه لم يغادره منذ الظهيرة الى ان أموراً كثيرة حدثت اليوم جعلته يغض بصره عنه..
هز راسه وهو يعود الى المنزل.. ولم يجتز الشارع حتى مرت أمامه سيارة الرفقة المشتركة.. يشوقها احد الرفاق.. اطل رائد برأسه محدثا حبيب: امستعد يا رئيس؟ استنكر حبيب الاسم.. وكانه لا يعرف لم تسمى به:.. ها... نعم.. انا مستعد.. رائد: اذا هيا بنا ماذا تنتظر؟؟ حبيب وهو يلتفت يمنة ويسرى.. ويهب داخل السيارة: هيا بنا... تحرك السيارة.. نحو المستقبل.. الذي خط بقدر حبيب تلك الليلة.. ولم يكن هناك اي طريق للعودة.. هو من خطط لهذه الحملة.. وهو من سيقودها.. شاء ذلك ام أبى
| |
|
| |
_ ألوأإآن _ الإداره
عدد المساهمات : 312 تاريخ التسجيل : 13/11/2007 العمر : 31
| موضوع: رد: روايه الكارس 19/11/07, 09:16 am | |
| ================= زفر مجيد بهدوء.. لا ينكفئ عن السرحان.. يسكت عنه لدقائق فيجده سارحا في الفراغ الذي أمامه.. ليتني فقط استطيع ان اقرأ افكاره هذه.. وناداه بصوت مخيف بعض الشي: يـــــووو بيــبو (بيبو: اسم الاختصار الذي كان ينادى به حبيب..( انتفض المسكين وهو يرفرف بعينيه مرتبكا:.. ماذا.. ماذا جرى؟؟ مجيد وهو يضحك: يا رجل.. لقد طلبت لك اكلا.. وجهز الأكل وانت ما زلت سارحا كما كنت؟؟ مابالك؟؟ (بنظرة خبيثة (أأنت مغرما يا هذا؟ سحب حبيب السندويشات من يد مجيد وهو يهزأ به: هات السندويشات.. مغرم.. من يغرم بهرم مثلي.. خريج احداث.. رحمه الله بانه بلغ الثامنة عشر وسحب احدهم الشكوى عنه (يقضم من السندويشة) وكأن فتيات الدنيا ناقصات ليحبن واحداً مثلي.. ابقها مستورة يا أخي.. صدم مجيد وأتسعت عيناه .. نظر الى حبيب وكأنه لا يصدقه.. أمعقول.. حبيب كان في... في سجن الاحداث؟؟ كالطبول التي دقت برأسه.. ولم يستطع ان يحرك رأسه لكي لا يرتج دماغه بها.. ظل مبحلقا بحبيب..
التهم حبيب السندويش وهو يتلذذ بطعمه.. قضم قضمة اخرى وترك بفمه بالونة والتفت وهو متلذذ الى مجيد.. فاستغرب من نظراته اليه.. حبيب: ماذا؟؟ (يشير بسندويشته) أهذه لك؟؟ ارتعشت شفاه مجيد وانعقد حاجباه: أكنت... أكنت في سجن الاحداث؟؟ رفع كتفيه حبيب مستغربا:.. نعم... ألم تكن تعلم؟ مجيد وصوته يقرب الى الهمس: متى؟؟ حبيب: قبيل خروجي من المدرسة.. تشاجرت مع احدهم.. وقدم...(كان على وشك ان يذكر اسم أبيه) قدم احدهم شكوى عني. ف.. فسجنت.. وما زال مجيد على حاله: وكم بقيت هناك؟؟ وها قد انتهت متعة الأكل.. ذكريات لا يرغب في ان يتذكرها.. كم لهو طويل لسانه:.. بقيت هناك لمدة 6 اشهر.. وبدأت الحسابات في عقل مجيد: يعني.. انك بقيت هناك منذ.. منذ متى؟؟ حبيب وهو يطوي السندويشة ويضعها بداخل الكيس: منذ يناير حتى نهاية يونيه.. هز مجيد رأسه وهو لا يستوعب شيئا:.. كيف؟؟ كيف دخلت السجن.. وانا.. لم اعلم بأمرك؟؟ نظر الى ما خارج نافذته وهو ينفث مرارة في تنفسه:.. ولم عليك ان تعلم.. كنت مشغولا بدراستك.. ككل شاب طبيعي يطمح لشيء عظيم بحياته... على عكس الفاشلين امثالي.. ساد الصمت بين الاثنين.. مجيد الذي ظل مصدوما ازاء وقع هذا الأمر.. أمـا حبيب بذكر هذه الذكرى المريعة.. لم يجد في نفسه الا الرجوع مرة اخرى الى تلك الحادثة.. التي كانت السبب الوجيه الذي دفع ابيه الى الشكوى عليه.. ===================== كانو ستة بالسيارة.. بقي اثنان وخرج أربعة.. حبيب ورائد واثنين اخرين .. كانو مأججين بالأسلحة البسيطة.. رائد كان يحمل بيده مضرب خشبي كالذي مع حبيب .. مشو في ذلك الزقاق وهم مخفضين ابصارهم.. متجهين الى باحة تلك الشقة الارضية حيث تقبع عصابة هيثم.. اخذ الغضب مأخذه من رائد لدرجة انه كان يسير بلا هوادة متوجها الى هيثم مباشرة ليسقيه من شر عمائله.. لكن حبيب سحبه الى داخل الزقاق وابقاه خلفه حبيب بهمس: ما الذي تنويه ايها المجنون بكراهية نظر رائد بإتجاه هيثم: اود ان اسحق رأسه بهذه العصا.. واريق دمائه على طول الساحة.. ارتعش حبيب من الصورة التي وصفها رائد واحس بالخوف: لا عليك.. سنذهب الأن. وكما اتفقنا.. سنحطم النوافذ والسيارات فقط.. لن نعتدي على احد ولن نضرب احدا رائد وهو ينظر بمكر الى حبيب: الا اذا هم اعتدوا ارتعد فرائص حبيب: الا اذا هم اعتدوا.. (اشاح بعينيه عن رائد المجنون ونظر الى الاخرين) امستعدون؟؟ كلهم بصوت واحد: نعم.. اول من تحرك كان حبيب... مشى بصلابه ناحية هيثم الذي جفل عندما رآه.. اخرج حبيب العصا التي كان يخفيها ورائه وهو يكشر بفكه: هذه لسيارة ابو رائد.. وبضربه واحده هشم تلك الطاولة الخشبية التي تطايرت اجزائها بكل مكان.. وبضربة حبيب توالت الضربات.. وانما على الزجاج.. ورائد الذي وقف على صندوق سيارة هيثم الرياضيه لوح بالمضرب بيده ونادى بصوته على هيثم رائد: هي هيثم.. التفت هيثم خائفا الى رائد.. رائد وهو يضحك بشر: ألديك اي نقود محفووظة... لانني سأكسر النافذة وبضربه مدويه اخترق المضرب النافذة العريضه وتناثرت الشظايا في الهواء محلقةً في الهوا ضائعة بنسمات الهوا من هذا العدوان الغاشم الذي حطم تجمعها وفرقها عن بعضها.. لتتساقط صريعة على الأرض.. وتوالت الضربات وبقي حبيب في وسط تلك المعركة يدافع ويحامي عن رفاقه ويقف بالمرصاد لمن يعترض دربهم... وثارت حمية الليث هيثم وهو يرى هؤلاء يعيثون فسادا في عرينه.. صرخ باعلى صوته وعيناه تقدحان شررا: سعيتم لنهايتكم اليوم ايها السفلة وانقض على حبيب الذي كانت بنيه جسده اصغر من هيثم.. انقض عليه بشراسة الهبت قلب حبيب من الخوف.. تصارع معه ولكنه كان يعرف سلفا بنتيجة هذه المعركة.. الغلبة لهيثم.. فهو بموقف لا يحسد عليه.. تردده قبل مجيئه جعله فريسة سهلة كمشهد من المسرحية الكلاسيكية " قصة الحي الغربي " بدو اولئك الشباب.. لم يعرفوا اي ذنب ارتكبوه بحق انفسهم.. لم يلبثوا من الزمن الا عشر دقائق وهاهي صفارات الشرطة تحيط المكان.. لوهلة فك هيثم قيد يديه عن حبيب الذي كان انفه يقطر دما حتى هيثم الذي لم يسلم من قبضات حبيب السريعة المتوالية.. ابتعد عن يديده وهو يهرول.. خطوات خطاها ليسقط على منخريه .. هز رأسه الذي كان يدور لشدة الضربات وعاد على رجليه مبتعدا عن تلك المنطقة.. لم يلتفت .. ولم ينتظر احدا.. ركض لوحده.. ولوحده ركض.. لنفسه ركض.. للصحوة التي اتته ركض.. مبتعدا عن تلك البقعة... ------------------ لم يعرف مجيد كيف يكتم غيضه.. انه حانق.. لا بل يتملكه الغضب العنيف الذي شل حركته.. يسوق السيارة ولكنه لا يعرف اين يتوجه.. أحس حبيب بالجور المتوتر بالسيارة.. لاحظ ان مجيـد لا يسير بهدى على الطريق.. تارةٌ يسرع ويتجاوز سيارة.. وتارةٌ اخرى يتخلف عن السير ويقف حيث ان اشارة المرور تطالبه بالتحرك.. ما باله؟ أبه شيئ.. ومرورا بالشارع الموازي لخط البحر قطع مجيد الطريق.. متوجها الى درب منزله.. لم يستطع حبيب الا ان ينبهه: مجيد.. لا اعرف لكنك قطعت الدرب.. اذاهب لمكان؟ أجابه بنفس ظائقة: سأعرج على المنزل قليلا.. لاخذ حاجيات معينة.. لم تسأل؟ تريد العودة؟ فكر حبيب بخيار العودة لكن.. يعود لماذا؟ لزمجرة ابيه؟: لا فقط كنت أتسائل أجابه بسخريه: تتسائل؟؟ ولم تتسائل؟ الديك العقل لتتسائل؟ صدم حبيب من اسلوب مجيد.. ماذا جرى له: ما الذي تقوله ثار مجيد وهو يلوح بيده الى حبيب: لا أعلم لكنك تثير ضحكي.. حقا.. لا تتسائل في أمور اهم من اي طريق نسلك.. وتتصرف ببرود حيال حقيقة مشينة ومريعة كدخولك الى الإصلاحية.. وتنصاع لوالدك الذي يذلك ويعنفك وتتجه الى باصات الكارس وتتجول كال...(ازدادت وتيرة غضب مجيد) كال.. كالعامل الوافد الذي لا جنسية له.. تقبل بهذا الواقع.. لكنـك لا تتسائل.. ان كنت منصفا لنفسك.. أكان الدرب الذي سلكته ذو اهمية لك... (صرخ مجيد بعنف) او كابسط سؤال.. ماذا حل لحبيـب الــســابق؟؟
كرجل واقف بأرض متزلزلة رجت اذن حبيب.. توقفت سيارة مجيد عند (فرضة) البحر.. خرج من السيارة صافقا بالباب وهو يلهث من الغيض.. كم عليه ان يتحمل..
ترجل حبيب وهو يشعر بالغرابة.. ما باله مجيد؟ لم هو حانق لهذه الدرجة؟. ولم هو منزعج الى هذا الحد؟ انها حياتي التي هو غاضبٌ لاجلها لا حياته.. ندمت بما فيه الكفاية وادعو من ربي نسيان ما مضى.. لست محتاجا لهائج اخر بحياتي.. مللت الهيج..
التفت اليه مجيد وزمجر بوجهه: ما الذي جرى لك يا حبيب؟؟ لم اصبحت بليد المشاعر هكذا؟ لم تنتقم من نفسك بهذه الطريقة؟ لم اضعت حياتك؟ صمت حبيب.. لم يرد الكلام.. لانه ان تكلم.. فو الله سينفجر اشد انفجار.. استمرت زمجرة مجيـد: تكلم يا حبيب... لماذا؟؟ وانهار حبيب...حسنان.. يريد الجواب سيجيبه.. مجيد وهو يتقدم: تكلم يا رجل... تكلم انزل حبيب عينيه وعانق الارض: ... لا استطيع تقدم منه مجيد: ما الذي لا تستطيعه؟ رفع عينيه المغرورقتان بالدمع: لا استطيع.. انا اجيب.... رق قلب مجيد من مظهر حبيب: لم يا حبيب؟؟ لم؟ اشاح بعينيه يمنة ويسرى عله يجد شيئ يسكن انينه: لانني... لا استطيع...(وجهش بالبكاء) لا استطيع لا استطيع.. نظر مجيد الى ذلك الشاب المنهار.. كيف ترتجف أوصاله من شدة البكاء.. فلم يحتمل موقفه.. التفت عنه وهو يداري الدمع المتجمع بعينيه.. ولكنه لم يستطع.. فتقدم من رفيقه وضمه اليه بعطف.. ولم يرفض حبيب تلك العاطفة.. بل نهل من فيضها ما يريده... وسط البكاء ظهر صوته:.. لا اريد اي اسأله.. لا اريد اي واقع .. لا اريد الماضي .. ارجوك.. اني اتوسل اليك يا مجيد.. لا تسألني شيئا... اريد ان انسى.. اريد ان... اكون بليدا.. لا اريد ان اتذكر.. لا اريد الذكريات.. ارفضها يا مجيد ارفضها.. انا اتبرأ من ماضيي.. اتبرأ ...
أبتعد مجيـد لوهلة عن حبيـب .. ظل يراقبه ويراقب اهتزازت جسده.. اصعب الدمع بهذه الدنيا هي دمعة الرجل.. بالعادة تظل ذليلة الجفن.. تأبى النزول والانهمار لتريح القلب.. لكن دمع حبيـب أسي.. متألم.. مضني.
بصوت رقيق:.. إذكر ربك يا رفيقي. وكفاك بكاءا.. رفع رأسه المحمر ونظر الى عيني مجيـد مباشرة:.. لا اريد.. لا اريد ان اكف عن البكاء.. (تحرك من مكانه لعند الشاطئ) أريد ان ابكي.. يعلم الله اي فيضانات من الدمع نوت الخروج لكنني ذللتها..عصيت الراحة وبقيت متأججا بها حتى هذه اللحظة.. (أشتدت عضلات جسده كلها وتيبس) أتعرف كم من الحنق في قلبي؟ اتعرف كم انا غاضب.. هز الآخر رأسه بأسى نافيا.. التفت عنه وقابل لجة البحر.. ونظر الى نقطة تلامس العشاق.. وبصوت متهجد بالبكاء: انا غاضب... وغضبي يسع هذا البحر كله.. ولكنه على نفسي فقط.. نفسي انا يا مجيـد.. تخيل .. ان يبقى رجل في هذا البحر بعاصفةً .. يقاوم عناقيد غضبه التي لاتنفك بالتأجج.. لا يستطيع الا ان يسلم نفسه لقضاء ربه ويغرق نفسه.. اما انا...(أغمض عينيه ورق صوته) ما زلت اصارع.. مازلت اصارع هذا البحر الخائن.. اصارع عناقيد الغضب.. غدرتني امواجها يا مجيـد.. ظننتها بوادر على الصفاء والهدوء والجمال.. لكن السماء زمجرت واظلمت وتلاطمت الأمواج معلنة انقلابها علي.. ومن الذي حبكها علي؟ لم يكن احدا غريبا عني.. كان انا يا مجيــد.. أنا من فعل بنفسي هذا..
بكى وهو موطئ الرأس بين راحتيه.. ويصيح صياحا عاليا.. والاخر يمسح عينيه كي لا تنهمر الدمعات صريعة على خديه.. | |
|
| |
_ ألوأإآن _ الإداره
عدد المساهمات : 312 تاريخ التسجيل : 13/11/2007 العمر : 31
| موضوع: رد: روايه الكارس 19/11/07, 09:17 am | |
| .. =================== وأنسدلت استار العصر.. تغطي الدنيا بحمرة لذيذة.. تثير النعاس بأعين الناس.. او تدفعهم الى مضاجعهم ليناموا.. ثم يعودو للإستيقاظ.. وإكمال اليوم بخير الأعمال.. فكل يوم كصفحة.. وكل دقيقة محسوبة.. وكل حركة يقدم عليها شخص.. بمثابة سؤال آخر من إمتحانات الدنيا اليومية.. نظر حبيب الى السماء وهو عاجز عن التفكير.. ينظر اليها بسكرة.. نشوته العامرة تكاد تفيض به.. الكم الهائل من الصراع العاطفي الذي مر به اليوم يكاد يفطر قلبه.. لا.. لا يكاد.. بل فطر قلبه.. أجهش بالبكاء.. وسرت به الراحة البسيطة القصيرة.. كالمخدر.. وما لبثت ان غادرته.. لتبقيه في ضناً وضيم..
أما الآخر فهو ساكنا.. منتظرا.. انهم هنا منذ فترة طويلة ومنذ انهيار حبيـب لم يتحدثا ولم ينبسا ببنت شفة.. تمنى مجيـد منه ان يتكلم.. لكن.. ظل ساكتا قابعا على تلك الصخرة أمام المعشوقة الازلية.. صفحة المياه المالحة.. يراقب موجاتها التي تتقدم بخجل نحوه ثم تسرع بالعودة من حيث اتت.. فترسل اختها التي تقوم بالمثل..
انزل رأسه مجيـد وعاث بالتراب.. يرسم اشكالا ثم يمسحها.. فأتاه الصوت التي انتظره منذ مدة.. بكل هدوء وبكل انسابية.. حبيـب:... دخولي الى الاصلاحية تلى تلك الليلة التي قضيتها في الهرب من الشرطة.. كنا في حملة انتقامية نحن الجماعة.. ولكنها انتهت بصفارات الشرطة المقيتة.. (عقد حاجبيه متسائلا) أتذكر تلك الليلة التي حضرت فيها لمنزلي وطلبت مني الخروج معك لكني أبيت؟ هز مجيد رأسه:.. بلى.. ابتسم حبيـب بألم: ليتني قبلت الخروج معك.. لكن.. كان هذا الخيار صعبا.. حسناا.. رجعت الى المنزل بوقت متأخر.. لأجد سيارة الأمن واقفة عند باب منزلنا.. تعلقت باحد الاشجار وغبت عن البصر.. كالقرد فوقها اراقب ما الذي يجري.. خرج ابي.. حادثهم.. وقال شيئا لم يصل الى اذني.. ظل معلقا في الهواء .. لربما .. الاجواء لم ترده ان يصل الي لكي لا تبقيني في الشارع اكثر..
رفع رجليه لعند صدره وضمهما ووضع ذقنه عليهما..:.. انتظرت الشرطة لتغادر.. ثم هممت بالدخول للبيت.. صدقني يا مجيد.. لم اكن ذلك الخارج عن القانون.. فانا لم اسرق بيوم.. ولم انشل احدا.. كنت فقط.. متسكعا صعلوكا.. أهمل الدراسة واجلس مع الشباب بتلك الخيمة او اتسكع معهم بالسيارة.. اشاركهم بشرب البيرة والتدخين.. اتعارك مع الاخرين وادمي احدهم.. فقط.. هذا ما كنت افعله بسخرية رد عليه : فقط؟؟ إهمال الدراسة والتسكع وشرب البيرة والتدخين والضرب,, وفقط.. هز رأسه: لا تفهم.. شاب مثلك لا يفهم هذه الأمور.. بالنسبة لي هذا كان كافيا.. بحيث لا يجعلني مجرما.. بالإضافة انا لست انسانا كاملا.. لسنا معصومين عن الغلط..ألسنا كذلك؟ صمت مجيد في الوقت الذي انتظر فيه حبيـب الجواب.. نظر مجيد اليه بطرف عينه: ثم...ماذا حصل؟ هز كتفيه:. غادرت الشرطة ورجعت للمنزل.. كنت اعرف اي اعصار خلفوه اولئك.. فدخلت بهدوء.. بقيت عند الباب لانني لم استطع ان اتجاوز الممر لركوب الدرج.. كان والدي واقفا هناك كالتمثال.. مأجاجا بالغضب.. والعنف يكسو ملامحه (بنبرة غير مصدقة) لم ارى والدا غاضبا من ابنه كأبي.. كان يبدو... اممم.. لا اعلم.. كالسفاح الذي واخيرا وقعت بيده ضحيته.. ابتسم مجيد لتشبيه حبيب.. فالحق يقال.. ابوه رجل عنيف وكل الناس تشهد بعنفه.. بألم اكمل:.. لم يتكلم... اتصدق؟ ولم يقل شيئا.. سوى كلمة واحدة..." إتبعني بهدوء كي لا تسمعك والدتك" تبعته لاني بالفعل لم ارد ان تسمعني والدتي.. فهي ضعيفة وستبكي.. ولا احتمل دموعها.. مجيـد: ثم؟ تنهد: ثم شغل محرك سيارته.. دخلت اليها بتردد.. لم اعلم.. راودتني آلاف التخيلات والافكار.. اسيأخذني ليذبحني ويرميني بقفرة لا تعلم بها الا شياطين الأرض.. ام إنه سيوقفني باحد الطرقات ويطلب مني عدم العودة للمنزل.. لكني سرعان ما تنازلت عن هذه الفكرة لانني لا احمل ملابسا.. لكني عدت ففكرت.. من روعة الاجرام ان يترك احدهم بشارع فارغ ولا شي معه.. هكذا لا تثبت هويته ان مات ووجد مرميا على الطريق كالقطة المدهوسة.. فوجدت نفسي حقا مرميا بتلك القفرة سواء كان بالذبح ام بالنفي.. اكمل هذه الذكرى المؤلمة وهو يبتسم بسخرية.. استغرب مجيد انتقائتيه بالكلمات.. وأكتشف الكوميديا السوداء التي تلفها.. ظلت عينيه ملتصقتان بالأفق.. وكأنه يرتجي منها شيئا.. يطالبها بحق لا حق له فيه.. بتفسير.. برؤيا.. بعلمٍ .. لا يعلم ان العلم له وحده لا شريك له..
بقي حبيـب على تلك الحالة فترة ليست بالقصيرة.. فظل مجيـد منتظرا اياه لكي يكمل القصة..
احس حبيب – واخيرا- الى الوقت الذي مضى عليهما وهو ساكت.. فألتفت بعينين متسائلتين الى مجيـد حبيب: اين وصلنا.؟ ابتسم: الى خروجك مع والدك عقد حاجبيه محاولا التذكر.. كرجل كهل ينسى بعض مجريات ذكرياته التي يسردها وعندما وجد ضالته: آآه.. حسنا.. كانت توقعاتي كما تعرف خيالية.. رغم انها ممكنة مع أبي.. فجأة توقف عند مركز الشرطة وخرج من السيارة.. اما انا فظللت قابعا كالغبي .. ما الذي كان يدور في خلدي بتلك اللحظة لا أعرف .. اكنت اظن انها جمعية للأطعمة الغذائية وان والدي ترجل لكي يحضر حاجيات امي كما كان يفعل بصغررنا؟؟ أم انه دخل المركز لكي يلقي التحية ثم يعود؟
ضحك على نفسه وشاركه مجيـد الضحك
تغيرت معالم حبيب بعد الضحك الى الألم..: وقف عند الباب.. وأشار لي بالنهوض.. (تفاعلت ملامحه بتلك الذكريات وكأنه يعيشها بهذه اللحظة) لم ارضى.. هززت رأسي بالنفي.. فعصف وجهه بالغضب..اراد فتح الباب فوجده مقفلا.. فتح السيارة بالمفتاح الإلكتروني وبسبب الرفض الذي حل بي لم اسرع بوضع يدي على زر الاقفال.. كان اسرع مني.. فتح الباب لي وقال بصوت كفحيح الافعى.. اخرج.. رفضت .. فقال لي .. اقولها للمرة الثانية ولا تجعلني اثلثها.. لانك لن ترغب بنفسك من بعدها.. خفت.. عدت ذلك الصغير.. ذلك الصبي الذي يختبئ كلما قام بشي مشاكس عن ابيه.. تحت درج تلك الشقة التي كانت بقرب منزلنا.. (بعينين تائهتين) اتذكرها مجيـد؟ أخذتك اليها مرة.. واخبرتك ان هناك.. تخبأ كنور الدنيا.. هز مجيد رأسه لتلك الذكرى.. لان حبيب رفض ان يشاركه بالكنز..: بلى .. اذكرها (قال هذا بتنهيدة) اسمعني حبيب ليس عليك اكمال هذه الذكريات.. لست مجبرا... وكانه لم يسمع شيئا من قول مجيـد وتابع سرد الذكرى: سحبني من عنقي الى داخل المركز... وعند اول مكتب حيث يقبع احد رجال الشرطة.. رماني.. على تلك الطاولة الخشبية.. وقعت و(يتحسس ذقنه باحثا عن شي ) وقعت و... جرح ذقني.. سالت دمائي وأنا اقف مرتعد الفرائص مذهولا من والدي.. سأله الشرطي عن ماذا يريده .. فقال له: هذا.. وللاسف الشديد ولدي.. ولكني مللته.. زجوه عندكم.. اني اشكوووه اليكم لتبقوه عندكم حتى يرد الى صوابه.. لا اريد مجرمين يتجولون بحرية في منزلي.. ابقوه عندكم.. عله يعقل ويهتدي.
في خضم تلك الذكرى سالت دمعة حبيب الساكنة وهو يفتح عينيه بذهول.. وكأنه يرى شيئا لا يمكن لاحد ان يراه.. يدرك شيئا لا ادراك له ..خاف عليه مجيد وتقدم نحوه يمسكه ذراعه
مجيـد: حبيـب.. هونها عليك.. كل هذا مضى.. (بنبرة حنونة) لا تقس على نفسك؟ التفت اليه حبيب بهدوء:.. الآن عرفت.. استغرب مجيـد: ماذا عرفت؟ نظر الى الأسفل ورفع عينيه إلى مجيـد: كم الساعة الآن؟ نظر الآخر الى عينيه: شارف على المغرب.. حبيـب : متى الأذان؟ مجيـد: لم يبقى شي.. ثلث ساعة لربما او اقل.. هب على رجليه واقفا: اذا ماذا تنتظر هيا نذهب؟ نظر اليه بغرابة: إلى اين؟ حبيـب وفك العقد على محياه: الى المسجد.. ابتسم مجيـد: ما هذه النزعة الدينية؟ سحبه من ذراعه ليوقفه: ليس الوقت المناسب لأسألتك.. علينا بالذهاب وهو ينظف ملابسه: لماذا حبيب بفرح: لان الحقيقة تنتظرني.. ضحك مجيد بجنون: هههههه ما بالك وما هذه اللهجة الجديدة.. حبيب: هيا يا رجل اسرع.. لوح بذراعي: حسنا حسنا.. بشرط؟ تسائل حبيب: اي شرط؟ مجيـد: ان تجعلني شريكك.. اي نعم.. لن اقبل بغير الشراكة.. ليس كمدفن الكنز ابتسم بملء ثغره: حسنـا.. انت شريكي.. ولكي تصدقني (مد يده) صافحني.. ضحك مجيـد: كرجال الأعمال.. حبيب: مصافحتي لك هي كلمة شرفي.. مجيـد: عادل بما يكفي.. هيا بنا...
دخل الإثنان الى السيارة وهما متحمسان.. مجيـد الذي ينتظر المجهول والشراكة الجديدة التي بينه وبين حبيب.. ليست الشراكة وانما فكرة مشاركة حبيب بشي ما تفرحه .. لسبب غير واضح.. وغير معروف للعيان.. ارتبطت روح مجيد بروح حبيب منذ الطفولة.. وكانت له المكانه الخاصة في قلبه.. لا احد يعلم السبب!! أكانت روح حبيب الطيبة الحرة كالطير؟ ام الصدق في كلامه الذي لو فعل ما أراد لا يستطيع ان يمحووه؟ لربما .. كان بحبيب ما لم ولن يكون بمجيـد.. الارادة والاقدام على ما ترغبه النفس.. وان كان مضرا.. لكنها شجاعة.. ان يقدم امرؤ ما .. على هذه الأمور..
وصلوا الى العاصمة.. فتاهت عيون حبيب بالشوارع.. يحاول ان يتذكر المنطقة التي كان فيها.. فهو نادرا ما يذهب هناك.. وبالاخص الى ذلك الشارع.. حيث يقبع المسجد .. لكن عبثا .. ظل هائما بعيونه باحثا بين البيوت.. ومجيـد ينتظر منه اشارة.. مجيـد : أين هو المسجد؟ حبيب بحيـرة: لا اعلم.. لا اتذكر اين كان.. واي ممر سلكت لاذهب اليه.. (نظر الى مجيـد) لربما لم اكن ابصر.. عادي.. فكنت في حالة نفسية لا تساعدني على شي.. ربت على كتفه مواسيا: لا عليك.. ليس عليك انت تبحث بعينيك؟ سخر منه حبيب: اذا ابحث بماذا (أغلق عينيه وتقمص شخصية رجل أعمى) ابحث عنه باللمس.. اجد ما وجدته هذا الصباح ضحك الآخر: لا يا معتووه.. انما.. فكر بما كنت تفكر به هذا الصباح حتى عثرت عليه... استغرب حبيب: كيف؟ مجيـد وهو ينظر أمامه:.. إرجع الى الصباح... وأرجع تلك المشـاعر.. وأنظر بعيون عاطفتك ومشاعـرك.. وستجد ما ترغبه.. بدى كلام مجيـد منطقيا لدرجة ان حبيب باشر بهذا الشي.. شهق طويلا.. ومضى بقلبه.. لا بعينيه .. باحثا عن تلك اللحظة.. التي جعلته يصل الى المسجد..
تذكر الحافلة.. والانتظار.. الشمس الحارقة.. العرق المتقطر.. العطش الملهب.. الخيبة تلو الخيبة.. صوت الأذان مكبرا بأسم الله.. وبعمق تفكيره بدأ الاذان .. وصرخت التكبيرة التي كانت منذ لحظه في دهاليز عقله تخرج عن الصمت والضيق الى الفضاء الواسع صارخة بعظمة الإله الواحد الأحد..
ومضـات سرت في عقل ذلك الشاب.. منها زمجرة ابيه.. خلفية الكارس وهو مغادر عنه.. مرتين لانه انشغل بأشياء.. والثالثة عندما غادره بإرادته للحاق بالصلاة.. وإتكاله على رب العالمين ... فلمعت عيناااااه..
اتكاله على رب العالمين.. لربما هذا ما يجب ان يفعله كي يصل الى ما يريده... وبتلك اللحظة مرت سيـارة مجيـد عند محطة الباص التي سرعان ما تعرف عليها حبيـب .. انها المحطة العارية.. العارية من سطح يكف السنة الشمس عن رؤوس الناس..
هز يد مجيـد: توقف يا مجيـد.. مجيـد: لا استطيع حبيـب نحن بوسط الشارع حبيب: جد لك دربا عند تلك المحطة؟ نظر بعينيه باحثا: اي محطة.؟؟ (وجدتها عينيه) تلك المحطة؟؟ بابتسامة: نعم. تلك المحطة.. فمنها انطلقت بحثا عن المسجد..واناارى الكارس يغادر.. متكلا على رب العالمين في وسيلة المواصلات.. وهنا سأتكل مرة اخرى لاجده مرة اخرى... مجيـد: كما تشاء..
انعطف عن الشارع وقلب موازين الاتجاه.. فبعد ان كان على وشك الخروج التف الى الشارع الآخر فاصبح على داخلا.. وجد موقفا عند المحطه فتوقف.. تأكد من صحة الموقف وترجلا من السيارة..
كالواقف على الأطلال.. وقف حبيـب عند المحطة.. وجدها مثلها.. راسية.. متوقفة.. لا تتحرك.. ولا تجد لنفسها اي مخرج .. يأتي الباص لها ويرحل.. ويأتي ويرحل..داعيا.. وطالبا منها فكرة الخروج والابتعاد وهي ترفض حتى فكرة الذهاب معه... في قلبه برر لها هذا الشيء.. لربما.. التغيير صعب عليها.. هي تعودت على ما هي عليه.. وان تكون شيئا هي ليست عليه.. ليس من سماتها.. تظل راسخة وشامخه ومتحملة.. انما.. متخلفة.. أما الكارس.. فهو ذكي.. يأتي.. ليقف ويرتاح.. ثم يرحل.. محملا نفسه العديد من الأوجه الجديدة.. مكونا العديد من الصداقات.. ومخلفا معارف لا اروع ولا احلى..
نظر أمامه.. مبحلقا الى ذلك الزقاق.. اشار برأسه الى مجيـد: انظر.. هذا هو الزقاق الذي دخلت منه.. مجيـد : وكيف خرجت؟ حبيـب وهو يبتسم: اتكل على رب العالمين.. هو سيدلنا.. لدرب افضل من الأول..
ابتسم مجيد .. ومشيا نحو الزقاق.. عبرا فيه وعيون حبيب تجول على تلك البيوت.. لا يذكرها.. وكأنه لم يمر هنا سابقا.. بالعادة يضع الانسان في ذاكرته علامة مميزة لكي لا يضيـع .. أكنت سارحا الى تلك الدرجة.. بحيث اني لم اترك لنفسي علامة لأهتدي بها.. (نظر الى السماء ببطء) أم انك يا رب العالمين تهدي من تشاء.. وتضل من تشاء..
وقف مجيـد وابتسم في وجه حبيـب: ها هو المسجد..
التفت حبيب بسرعة.. وكانه يرتقب وجه الحبيـبة .. المنى والمنال.. ينصب أمام عينيه بأبهى حلة.. كالعروس.. نعم. كالعروس.. مزدانة باللون الابيض.. والمصابيح تزين مسرحها.. تقدم ناحيتها وهو يبتسم.. يكابد دموع الفرح.. آآآه.. لقد مررت بالكثير اليوم لاصل الى هذه المرحلة.. لاصل الى هذا الوقت.. لم اعلم انني بعد كل تلك الاحزان سأقشعها بالفرح... [right] | |
|
| |
_ ألوأإآن _ الإداره
عدد المساهمات : 312 تاريخ التسجيل : 13/11/2007 العمر : 31
| موضوع: رد: روايه الكارس 19/11/07, 09:20 am | |
| دخلا الى المسجد.. تقدم مجيـد اولا الى الوضوء.. اما حبيب فظل واقفا مذهولا امام الباب الزجاجي.. يراقب جموع الصلاة.. في الصباح رأي المسجد عتيقا متهالكا.. ولكنه اليوم يجده جديدا وجميلا ورائع البنيان.. سبحان الله.. كيف يبدل الأحوال من حال إلى حال..
عندما انتهى مجيـد التفت الى حبيب: الن تتوضأ حبيب: بلى... لمس الماء.. فأحس بعطشه السابق.. وكيف ان الماء بدى له ككنز الدنيا الذي يفيض على الكل.. توضأ ودخل مع مجيـد للحاق بصلاة الجماعة..
بعد انتهاء الصلاة جالت عيني حبيب الى ذلك الشيخ الكهل.. لربما لا يأتي الا بالصباح.. وظلت عيونه معلقة بالجماهير ... حتى انتبه له مجيـد
مجيـد: ما بالك؟ وهو ممسك بذقنه مفكرا: كان هنا هذا الصباح شيخ جليل.. اود لو أراه مجددا... مجيـد: لربما لم يأتي؟؟ هز رأسه موافقا: نعم.. لربما لم يأتي.. مجيـد: هيا بنا يا حبـيب.. لا تدعنا نظل كثيرا.. بخيبة أمل وافق: حسنـا..
قام حبيـب ومجيـد بنفس الوقت.. وذهبا عند الباب ليخرجا. لكن شيئا مألوف لمحته عين حبيـب ليعود الى الإلتفات مرة أخرى.. وتهلل ناظره بما رآه.. انه الشيخ.. تخلف مجيـد وذهب للشيخ الذي كان يجمع الكتب الملقاة على الأرض..
حبيب بفرح: مرحبا ايها الشيخ.. التفت اليه الشيخ وهو عاقد حاجبيه: مرحبا يا ولدي.. استغرب حبيب: لم تذكرني؟ ابتسم الشيخ: اعذر شيخوختي يا ولدي.. فانها اسوأ من النسوى.. هن يسلبن مالك.. اما هي تسلبك حياتك.. هههههههه ضحك حبيـب بخفة:.هههههه.. لا أعرف ما تعنيه ولكن.. لدي استفسار.. الشيـخ : ما هو استفسارك.. حبيـب: بهذا الصباح.. رأيتني ابكي..(بتلك اللحظة تقدم ناحيتهم مجيـد وكان على وشـك الكلام الا انه سكت وظل يسمع) .. قدمت لي كتابا.. خالي الغلاف.. اطرق الشيخ مفكرا.. يعيد نفسه الى ذاكرته لليوم.. وتذكر بعينين مرتاحتين: نعم... نعم نعم.. تذكرتك يا ولدي.. انت الذي عجزت عن الصلاة.. كيف حالك الآن بابتسامة ناعمة: بخـير.. ولله الحمد... استعلم الشيخ: قلت لي كتابا خالي الغلاف؟ بفرح: نعم نعم.. اعطيتني اياه ثم انصرفت اثناء صلاتي.. (نظر الى الادراج المثبته على الجدار ) امهلني لحظة.. ذهب حبيب الى المكتبه.. وبحث بعينيه عن ذلك الكتاب.. ووجده بنفس المكان الذي تركه.. امسكه بقوة وكانه على وشك ان يطير وذهب عند الشيخ.. قدمه ما بين يديه: كان هذا الكتاب... اخذ الشيخ الكتاب وتصفحه كما تصفحه حبيب مسبقا... حبيب وهو مبتسم.: مررت على أوراقه فلم اجد الا كلمة الحمد لله رب العالمين.. واستغربت.. اي كتاب يخلو من الكلمات.. فارغا كمنزل بلا اولاد.. نظر الشيخ بابتسامة الى حبيـب.. وضحك بخفة ولم ينطق بشي.. الهب الاستغراب في حبيب ولكن من تسائل هو مجيـد
مجيـد: ما الذي يضحكك ايها الشيخ..؟؟ الشيخ وهو يشير على حبيب ومجيد بآن واحد: انتم.. ايها الشباب.. يا لفحولتكم.. (يشير بأصبعه على جبين حبيب) ويا لعقلكم الضئيل.. تشغلون بالكم.. باتفه الامور.. وابسطها وأقلها أهمية.. وتنصرفون عن ماااا هو مهم.. وثمين.. وقيم.. تهكم مجيـد: ليس كل الشباب هكذا.. الشيخ معترضا: بلى بلى.. كل الشباب هكذا... اوتظنني ظهرت بهذه الدنيا كهلا يا هذا... (وجه كلامه البطئ الى حبيب) انت اخذت عقلك.. وجررت الافكار فيها جرا بحثا عن سبب فراغ الكتاب.. وظللت تحيك الخيووط لتصنع منها صورة او فكرة.. منصرفا عن اهم شيئ.. هز رأسه حبيب.. وكانه يفقد حلقة من السلسلة ولا يستطيع ان يجمعها.. فاقترب منه الشيخ
بصوت منخفض:... تذكر مافعلته اليوم بطوله.. كيف انك ابتدأت هنا.. وعدت لتنتهي هنا... بهذا الكتاب.. تهكم مجيـد مرة اخرى: لابد وانها طرفة.. اراد الشيخ ان يجيب ولكن صوت حبيب الخارج من دوامة الأفكار:.. لا.. انها ليست طرفة
نظر اليه مجيد والشيخ تهللت اساريره
اكمل حبيب:... ليس الكتاب ما هو مهم... وانما.. الرحلة التي قضيتها.. لاعود مرة اخرى اليه.. انه بالٍ لا اهمية له.. لربما نسيه احدٌ بالصدفة هنا.. لكنك .. ايها الشيخ الجليل.. جعلتني ارسم لنفسي هدفا.. امهد لنفسي دربا.. لكي اعود مرة اخرى الى هذا الكتاب.. كنت تعلم.. بأني عاجلا ام آجلا.. سآتي الى هنا .. لاكشف سر هذا الكتاب.. مجـيد: لحظة.. افهموني لاني ضائع التفت اليه حبيب كمن فتحت له ابواب الدنيا: افهم يا مجيـد.. بأنني لست فاشلا.. (نظر أمامه) لست فشلا والعياذ بالله.. انا.. انا انسان يا مجيـد.. انسـان.. انسـان قد خلق من قبله وبعده وسيخلق وسيظل يخلق.. وكلنا لسنا معصومين عن الغلط... (تحرك من مكانه) اتيت اليوم الى هنا.. وانا اشكوو فشلي.. واشكووو ضيمي وضلالي.. وها انا.. اجد ضالتي ... واجد نفسي بهدف.. هدف الوصول الى سر هذا الكتاب..
سكت مجيـد والشيخ بدأ يرحل بهدوء.. لانه ولله الحمد اتم مهمته..
التفت حبيب الى مجيـد: أتعرف شيئا يا مجيـد بهمس: ماذا؟ بابتسامة عذبه وعين دامعة:.. لم اكمل لك قصتي بالسجن.. صحيح ان والدي رماني هناك كالحشرة المبغوضة.. إلا انني كنت اعرف.. ولسبب اجهله.. بانه كان لمصلحتي.. فانا منذ خرجت هناك.. لم اترك فرضا الا صليته.. ولم امضي يوما الا وخرجت برحلة العمل التي كنت اشكوها.. في الوقت الذي ظننت اني لا اسوى شيئا.. وجدت اني إنسان.. إنسان لي اخطائي ولي حسناتي..
وقف في نصف المسجد وهو يمسك رأسه.. يا الله.. ما اروع احساس الصحوة من بعد الغيبوبة.. ما اجمل الفرحة من بعد الحزن.. ما اجمل الانتماء بعد الضياع...
مجيـد الذي ما زال مستغربا: ولكني لا افهم لماذا... قطعه حبيب بصوته العالي: الا تفهم اني رفضت ان اكووون المحطة... والكارس ظل فيي يا مجيـد.. ارفض ان اكوون متخلفا... اريد ان اتحرك وامضي واكون صداقات واترك معارف وارسم دروبا وامسح دروبا.. اتخلف عن ما يشغلني.. لست فاشلا يا مجيـد... لست فاشـلا..
جلس على الارض.. لا .. ان هذه الحقيقة اقوى من كل تحملاته.. ان هذه الصحوى اروع ما حدث له.. انها حتى اروع من طعم لبن امه.. انها اجمل من ابتسامة تلك المخلوقة التي رآها اليوم.. انها الذ من تلك السندويشة التي التهمها بعنف الجوع.. انه النور الذي بزغ في استار الليل.. نفس الليل الذي رمي به في السجن وحيدا.. ها هو يعود اليه بنوور.. نور الهداية والصواب.. نور الهدف والسعي.. ---------------------- خرج مع مجيـد من المسجد بعد فترة.. وظلا صامتين.. ذهبا عند احد محلات الشطائر الجاهزة واخذا لهما ما يسكن جوعهما.. في تلك المحطة جلسا.. كل منهما يفكر بالآخر.. حبيـب بسفر مجيـد.. ومجيـد بيوم حبيـب المميز من نوعه.. بعد خروجهما من المسجد وجد مجيـدا حبيبا متغيرا.. مختلفا.. وكأنه عاد ذلك الصبي وهجر ذلك المتعنت المراهق.. فرح بهذا.. واسعده جدا.. فما هو جميل في هذه الدنيا هي استعادة الاشياء الثمينة المفقودة.. وحبيب من هذه الاشياء لمجيـد...
مجيــد وهو يحك اذنه: يا ترى ماذا حدث لاصدقائك؟؟ حبيب وهو يرمي ما بيده في الكيس: رائد انخرط في الجيش.. وهيثم ما زال على حاله الا انه يعمل الآن.. وهو ليس صاحبي..
ساد الصمت مرة اخرى.. وكل منهما يفكر بالآخر.. حبيب يفكر بما بعد هذه الليلة لمجيد.. والاخر يفكر بحبيب بعد كل هذه الصحوة
تكلم حبيب وسط صوت السيارات : ماذا الآن..؟ مجيـد: ماذا الآن؟ ابتسم حبيب:.. قصدت ماذا عنك.. والبعثة والدراسة؟ مجيـد: اتوقع القبول.. فمعدلي مرتفع ولله الحمد.. ان قبلت سادرس خارجا... وانت.. هز رأسه بذهول: اشيــــــــاء كثيرة.. لا اعدها ولا احصيها لك.. ولكنها مفيدة لا تخف.. ابتسم مجيد وربت على كتفه: اعلم بهذا.. بعد صمت تكلم مجيـد: حبيـب؟ بهمهمة: هممممم.. مجيـد: آسف.. التفتت اليه حبيب مستغربا.. فانصدم من شكله.. كانت ملامحه مشدودة وكأنه على وشك البكاء..: لم؟ مسح عينه مجيـد: لاني.. لاني.. لاني استدرت عنك.. ونظرت امامي.. وتركتك خلفي.. تحير حبيب:.. لا ذنب لك مجيـد: بلى.. بلى.. الذنب ذنبي.. لا يفعل الاصدقاء هكذا.. لا يتخلون عن بعضهم .. بل يبقون معهم.. متضامنين.. متحابين متقاربين.. ابتسم حبيب: وانا لم اكن بريئا تماما من هذا الشي.. بتوسل: حبيـب لا اريد خسارتك.. انت اثمن من انت تخسر.. ابتسم حبيب: لن تخسرني.. وتعرف شيئا ايضا.. انت لم تتخلى عني... فانت الذي اتيت لي اليوم.. وانت الذي اتصل بي.. وانت الذي وقف بجانبي في محناتي اليوم.. انت شريكي .. شريكي بهذا اليوم الذي لو انقلبت الدنيا عاليها سافلها لما محي من ذاكرتنا.. ابتسم مجيـد: نعم. انه كنزنا.. اعدك باني لن انسى هذا اليوم... حبيب: وانا ايضا.. اعدك.. وانا اضع كلمتي كشرف لي.. بان هذا اليوم سيبقى... يوما عظيما.. يوم حقيقتي.. ويوم هدايتي (نظر الى الشارع وهو يبتسم) ويووم لقياي بال.....
صمت فجأة.. وتوسعت حدقته لما يراه.. تلك السيارة التي مرت.. بها وجده مألوف.. عقد حاجبيه ونظر اليه مجيـد مستغربا.. فوجه بصره الى ما كان يبحلق فيه.. فوجدها فتاة...
بنظرات حبيب ارسل رسالة سريعة الى ضمير الفتاة لانها استدارت برأسها لتلتفت اليه. فوجدته جالسا هناك.. ينظر اليها وتكاد عينيه ان تسقطا.. فابتسمت بعذوبتها في وجهه لتقطر عليه من مطر الصيف البارد.. غادرت المركبة الشارع وعيني الفتاة معلقتين بعيني حبيـب.. الى ان غابت عن المكان..
ضحك مجيــد: انت محق.. ان هذا اليوم ليوم عظيـم.. ---------------------
وهكذا.. تنتهي كلمات القصة.. وتنتهي روايتي للاحداث.. لكن.. لا يمكن للاهداف.. ولا للهداية ولا لنور العلم ان ينتهي.. انه باقٍ.. في قلوبنا وعقولنا.. في إرادتنا وأملنا... باقٍ حتى قيام الساعة... | |
|
| |
مسّگ ● مــرآقـب
عدد المساهمات : 375 تاريخ التسجيل : 13/11/2007 العمر : 31
| موضوع: رد: روايه الكارس 19/11/07, 09:29 am | |
| من شكلها باين انها حلوووه لما اقراها اكتب لكي الرد | |
|
| |
_ ألوأإآن _ الإداره
عدد المساهمات : 312 تاريخ التسجيل : 13/11/2007 العمر : 31
| موضوع: رد: روايه الكارس 19/11/07, 10:50 am | |
| - ×بلونهـ حمرا× كتب:
- من شكلها باين انها حلوووه لما اقراها اكتب لكي الرد
اوكي انتظرك ... | |
|
| |
صاكهـ بعامود مشــرفـة
عدد المساهمات : 238 تاريخ التسجيل : 15/11/2007 العمر : 32
| موضوع: رد: روايه الكارس 20/11/07, 05:14 am | |
| واااااااااااااااااااو
خطيرررررررره
يسلموووو
..شاقه الحلج.. | |
|
| |
_ ألوأإآن _ الإداره
عدد المساهمات : 312 تاريخ التسجيل : 13/11/2007 العمر : 31
| موضوع: رد: روايه الكارس 20/11/07, 10:05 am | |
| - ..شاقه الحلج.. كتب:
- واااااااااااااااااااو
خطيرررررررره
يسلموووو
..شاقه الحلج.. منوررهـ ... | |
|
| |
حـلاوهـ فوشيهـ مشــرفـة
عدد المساهمات : 228 تاريخ التسجيل : 15/11/2007 العمر : 33 الموقع : السعووديه
| موضوع: رد: روايه الكارس 23/11/07, 10:16 am | |
| لمن افض اقرها مشكوووره الوان | |
|
| |
_ ألوأإآن _ الإداره
عدد المساهمات : 312 تاريخ التسجيل : 13/11/2007 العمر : 31
| موضوع: رد: روايه الكارس 23/11/07, 11:07 am | |
| لا شكر على واجب<<<<<<<<<<<خخخخخخ منوووره | |
|
| |
| روايه الكارس | |
|